. على اسم مصر ( مقدمة )

تش .. تش .. تش .. تش .. تش

ـ صباح الخير يا عم " بيبس "

ـ صباح الفل يا محمود باشا .. أؤمرنى

ـ الأمر لله يا راجل ..
بص .. جهز لي ب 50 فول وبجنيه فلافل
فيهم إتنين محشيين .. حجيب العيش وأرجعلك


من أجمل ما يميز حي محرم بك
وهو أحد الأحياء العريقة في مدينة الإسكندرية
هو ذلك المزيج العجيب بين أصالة الماضي وشعبية ساكنيه ..
فهو مكان شعبي بسيط يحمل عبق التاريخ وأصالته ..
إدينى 100 ألف جنيه .. وفيلا في محرم بيه ..
هكذا كان يقول ساكني الإسكندرية في الماضي ..
حيث كان حي محرم بك هو مجموعة من الفيلات المتجاورة يسكنها الباشوات ، وأصحاب الأعيان، وكانت تمثل لأهل الإسكندرية القديمة في أحياء "بحري"، و" كوم الدكة" ، و"المنشية"، حلم صعب المنال ..
وتحولت بقدرة قادر كل تلك الفيلات العريقة
إما لمكان تتم فيه تحيه علم مصر مع صباح كل يوم جديد ..
حيث أبله حكمت مديرة المدرسة ..
وتلاميذ بؤساء ..
وحوش في حجم العلبة ..
أو تحولت إلى مكان يتم فيه تعذيب المواطنين الأبرياء
نظراً لأنه أصبح إحدى الهيئات الحكومية ..
ما علينا ...


ـ جهزت الفول والفلافل يا عم " بيبس " ؟؟


ـ كله في التمام يا حودة باشا .. سلملي على جدتك ..
ظل ساكني حي "محرم بك" بالإسكندرية وهم من أبناء الطبقة المتوسطة أو فلنقل الكادحة، محافظين على تراث الحي العريق
فما إن تطأ قدماك المكان
إلا وتشعر وكأنك تعرف هؤلاء الناس ..
"عم بيبس" بائع الفول والفلافل ..
"حمدي" صاحب كشك الصحف والمجلات ..
الفرن البلدي وصاحبه "الحاج سيد"
كلهم أناس بسطاء ..
ولكن يشغل كل شخص منهم مكانةً في قلبك
قد تضاهي مكانة أقربائك ...
فقد كانت نشأتي الأولى في بيت جدتي بهذا الحي القديم ..
ورغم إبتعادى عنه نظرا لأننا لسنا من ساكنيه ..
إلا أنه حتى الآن لديّ شعور داخلي بأنني لازلت أعيش هناك
وأنتمي لهذا الحي العريق ..
وما إن يسألني أي إنسان ذلك السؤال التقليدي ..

ـ أنت منين في إسكندرية ؟؟

حتى تخرج الإجابة بعفوية ..
وبدون أدنى تردد ..


ـ أنا من محرم بيه ..


وكنت ولازلت ..
أبحث بكل اجتهاد عن هذا السر الخفيّ
في طبيعة تكوين هذا الشعب الكادح وشخصيته المترابطة
رغم تعدد مصادرها وغرابة ثقافتها ..
وهي التي هضمت آلاف الثقافات الأخرى ليخرج هذا المزيج العجيب متمثلا في اللهجة المصرية المميزة ..
كتب جمال حمدان موسوعته الشهيرة ) شخصية مصر )
ولم أنل حظا من قراءة سوى تلخيص المختصر منها
والذي نشر مسلسلا في جريدة الأهرام منذ سنوات ..
ولكن بقي السؤال الحائر ..
ما هو السر ؟؟
أين السر الخفي
في هذا الحب الجارف من قبل المصريين لوطنهم ؟؟
نعم ..
النفوس والسلوكيات تغيرت كثيرا ..
وها هي المادية قد طغت على كل مفردات الحياة ..
وأصبحت الحياة في زحام القاهرة كصراع أسماك البحر الجائعة
ولكن ..
رغم كل شيء وأي شيء ..
نحن عاشقون لمصر ..
ولتراب مصر ..
وسوف نظل نلعن في هذا الذل وهذه البلد ..
ولكننا لا نقبل المساس بها أو بكرامتها ..
إذن أين السر ؟؟؟!!!
من هم المصريين في الأساس ؟؟
فراعنة .. رومان .. عرب .. مماليك .. أتراك .. أهل النوبه ..
من هم المصريون في هذا "الكوكتيل" العجيب ؟؟!!!
والإجابة تجدها بكل بساطه واضحة جليه عبر التاريخ ..
المصريون هم من عاشوا في مصر فارتبطوا بها ..
المصريون شعب بلا أصول ..
ولكنهم شعب يهيم عشقا بوطنه ..
لمجرد انه عاش فيه لسنوات قليله ..
والأسباب ؟؟؟
للأسف الأسباب مجهولة ..
إنه سر مطلسم حتى الآن ..


مكان بتعيش فيه ولو حتى كام سنه ..
فتحبه ..
وماتقدرش تسيبه ..
ومش بتعرف حقيقة مشاعرك تجاهه إلا لما تسافر ..
ويسألك الناس في الغربة ..


ـ أنت منين ؟؟

ـ أنا من مصر ..

ـ طيب ممكن تحكيلنا عن مصر ؟؟؟



هنا ينعقد لسانك ..
وتهرب منك الكلمات ..
تدمع عينيك ..
وتجيب عليهم وكيانك يهتز من داخلك ..



ـ يااااااه .. مصر !!!!!!!!
عايزني أحكيلكم عن مصر !!!!!
معرفش ... معرفش أعبر بالكلام ..
مصر دي حاجة معرفش أحكي عنها ..
مصر عبارة عن إحساس جوايا مقدرش أقوله ولا أكتبه ..
بس ححاول النهارده أكتب حاجة وأحكيها لكم المرة الجايه

هنا تعود إلى بيتك ..
لتأخذ الورقة والقلم ..
تتذكر حي محرم بك ..
عم "بيبس" بائع الفلافل ..
والحاج "سيد" الراجل الطيب صاحب الفرن ..
وتكتب عنوان مذكراتك ..
على اسم مصر ..
تتذكر كلمات عمنا المبدع "صلاح جاهين" ..

على اسم مصر ..
على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء
أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء
بحبها وهي مالكه الأرض شرق وغرب
وبحبها وهي مرميه جريحة حرب
بحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء
واكرها وألعن أبوها بعشق زي الداء
واسيبها وأطفش في درب وتبقى هي ف درب
وتلتفت تلتقيني جنبها فى الكرب
والنبض ينفض عروقي بآلف نغمة وضرب
على اسم مصر
مصر النسيم في الليالي وبياعين الفل
ومراية بهتانة ع القهوة .. أزورها واطل
مصر السما الفزدقي وعصافير معدية
والقلة مملية ع الشباك مندية
والجد قاعد مربع يقرا في الجرنال
الكاتب المصري ذاته مندمج في مقال
ومصر قدامه اكتر كلمة مقرية
قريتها من قبل ما اكتب اسمي بإيديا
على اسم مصر **


وريقات من مذكرات مصري مغترب

محمود نجم

دار اكتب للنشر والتوزيع

سرايا 3 علوي

Blogger Template by Blogcrowds